الأمل في الإصلاح رؤيتى لمصر 2030
بقلم/ أ.د.حسام بدراوي
في البداية أود أن أؤكد أن رؤى المستقبل كلها متداخلة، ولا يمكن النظر الى مصر المستقبل جزئيا، بل لابد من أن تحوط رؤيتنا للإصلاح جوانبه كلها في وقت واحد، سواء كان ذلك سياسياَ أو إجتماعياَ أو إقتصادياَ أو ثقافياَ. إن تماسك الإصلاح واستدامته يرتبط بالتنمية في جميع مجالاتها، وبالرغم من أن صوت الدعوة إلي الإصلاح السياسي هو الأعلي بين الأحزاب والقوي السياسية المختلفة، إلا أن ذلك لا يجب أن يليهينا عن أن البنية الأساسية لعملية الإصلاح تبدأ وتستمر وتتواصل بالتنمية الانسانية وأن التعليم هو مدخلها الرئيسي. وهو مدخل مقالتى عن رؤية مصر 2030.
إن الإنسان هو الأساس، والقدرة التنافسية لأي مجتمع تعتمد في النهاية علي مجموع قدرات أفراده، والتي تتضاعف قيمتها بالعمل الجماعي والمشاركة الفعالة وأن وظيفتنا الأولي هي بناء القدرات وتوفير الفرص وأن نجاحنا كمجتمع هو أن نترك الحرية للأفراد للإختيار بين فرص متعددة ... بعدالة ونزاهة ومساواة في الحقوق.
إن الاختيار هو موضوع الساعة وموضوع المستقبل، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نري ونكتشف في كل أزمة تواجهنا فرصاَ جديدة يمكن إستثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك علي طريقة نظرتنا إلي الأمور ومعالجتنا للواقع الذي يطرح فرصاَ متعددة للإنتقال إلي عهد جديد من الديمقراطية والحرية.
إن مشروع الإصلاح لتحقيق رؤية مصر 2030 ليس مجرد أرقام على ورق ولا جملا صماء ومعاني مجردة .. إن روح الإصلاح يمثلها فى النهاية الإنسان وراء الأفكار، أفرادا وجماعات وكيانات، يزداد عددها يوما بعد يوم لتصبح فى لحظة فارقة حجما حرجا يزيد من سرعة الإنجاز، ويؤتى نتائج أعمق وأوسع وأكثر تأثيرا. إن الإصلاح يصبح لا قيمة له، إن ظل حبيس الأوراق بل يمرضن ويموت إن لم يخرج الى الحياة، ويصبح لا معنى له إن كان هدفه هو فوز يحققه فرد أو مؤسسة في نقاش أو جدل سياسي، أو صوت يعلو على صوت آخر فى تنافس حول من يكسب الجماهير.. إن الإصلاح المنشود تظهر قيمته التاريخية والمستقبلية عندما يصبح حقيقة مفعلة، عندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع.
وأتصور أن هذا لا يمكن تحقيقه بنفس الأفراد ونفس الكيانات التى كانت مسئولة عن شكل آخر وواقع نود تغييره، فكما تتجدد الأفكار، يجب أن تتجدد الوسائل وروح الإصلاح فى المرحلة الجديدة، تحتاج مع الفكر الجديد إلى آليات جديدة.
ان رؤية المستقبل لابد وأن تعتمد على واقع تحكمه عوامل، وعلى قدرة على التعامل معها للانتقال من نقطة الواقع الى مساحة المستقبل فى 2030.
هذه العوامل هي من وجهه نظري كالتالي:-
- حراك سياسي واضح يتمثل في: انتخابات رئاسية/ تعديلات دستورية/ صحافة مستقلة وحزبية حرة في النقد والمساءلة/ مساحة أكبر من الشفافية و المحاسبة الجماهيرية.
- انفتاح أكبر علي العالم بما يسمح بالمقارنة بالمعايير الدولية في كافة التوجهات وظهور مؤسسات مجتمع مدني أكثر تأثيراً مع صانعي القرار مثل: (اتحاد الصناعات) (اتحادات الغرف التجارية) (جمعيات أهلية مؤثرة، مثل المجلس المصرى الوطنى للتنافسية وجمعيات أخرى).
- حركه سياسية داخل الحزب الحاكم داعمة للديمقراطية، والمساءلة الحزبية، والحوكمة في إدارة أمور الحزب، ومأسسة اتخاذ القرارات به بكل ما تتعرض له هذه الحركة من داخل وخارج الحزب من ضربات وصدمات.
- دخول فئة جديدة تمثل توجها فكريا له فلسفة إلى الحكومة.. وأغلبهم من النخبة –التكنوقراطية- الناجحة في العمل الخاص بالرغم من تعارض المصالح أحيانا والذي يحتاج إلى تعديل .
- ظهور المجلس القومي لحقوق الإنسان في الساحة ،وارتفاع إيقاع المدخل الحقوقي في الممارسة السياسية.
- ظهور وعلانية حركة الإخوان المسلمين السياسية، ودعمها المالي الكبير.. ودعمها الإعلامي من بعض الصحف المستقلة جزئيا أو كليا، وتحديها الثقافي لمدنية الدولة وحقوق المواطنة، بشكل مباشر أو غير مباشر.
- الموقف السياسي في الدول المحيطة بمصر والمؤثر داخليا عليها وخصوصا اسرائيل وتركيا وايران والسعودية، ثم الأحداث الجارية فى لبنان، فلسطين، العراق، السعودية، السودان والصومال.
إنني أؤمن أن هناك ثمانية دعائم رئيسية يمكن أن تؤثر فى صورة مصر 2030:
- أن يتم تحديد توجهات التغيير الواجب في المرحلة القادمة في أربعة محاور:
- تخفيف سيطرة الدولة وتدخلها المباشر في شئون الأفراد والمؤسسات وتشجيع المزيد من المشاركة من أفراد ومؤسسات المجتمع المدني سياسياَ واجتماعياَ واقتصاديا، والسماح بقيام الأحزاب السياسية بحرية والعمل على استيعاب كل القوى السياسية بدون الإخلال بأي شكل بمبدأ المواطنة واحترام الدستور.
- إحداث تغيير ثقافي وسلوكي في وجدان المجتمع من بوابة التعليم، لترسيخ قيم المشاركة وريادة الأعمال وزيادة القدرات التنافسية والابتكار والإبداع والشفافية والتسامح وقبول الأخر المختلف، وتعظيم قيمة التفكير العلمي والعمل كفريق والإحساس والإيمان بالمواطنة كأساس لتوافق فئات المجتمع.
- إجراء تغيير هيكلي في الإقتصاد المصري بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه مع خلق فرص التشغيل.
- التخلي بصورة جذرية عن نمط التكدس المكثف للسكان في مناطق جغرافية معينة علي طول الشريط الضيق، وإعادة رسم خريطة مصر للحفاظ علي الأراضي الزراعية.
- تدعيم شرعية دوله الرفاهة:
إن الرؤية المستقبلية لمصر - من خلال عقد اجتماعي جديد - يجب ان تدعم شرعية دوله الرفاهة من خلال إتاحة سلع وخدمات عامه عالية الجودة من أجل تحقيق العدالة والكفاءة، وهناك سته سلع وخدمات عامه هامه تتيح الحق الدستوري للأفراد في الحصول علي فرص متكافئة والتصدي لفقر القدرات وهى:
- تعليم شامل، عالي الجودة
- رعاية صحية متكاملة، لا يعتمد تقديمها علي قدرات الفرد المالية ولكن إحتياجه من خلال نظام مستدام.
- مجموعة متكاملة من الخدمات والتحويلات النقدية للأسر التي تعاني من الفقر المدقع، لمساعدتها للخروج من دائرة الفقر.
- الانتهاء من تقديم خدمات المياه النقية والصرف الصحي لكل المواطنين.
- خدمات النقل العام الذى يحترم آدمية الإنسان.
- كل ما سبق جنبا الي جنب مع تحقيق ما يتماشى مع الواقع المصري من أهداف الألفية الثمانية لكافة المواطنين ذو الدخل المنخفض وبالذات القضاء على الفقر وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وكفالة الاستدامة البيئية وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.
- النمو المتوازن والمستدام المقترن بزيادة فرص التشغيل:
يجب أن يقترن النمو بإعطاء الأولوية للفئات المحرومة من السكان وتحويل الزيادة في الإستثمارات دون التأثير علي توازن موازنة الدولة، وذلك للإسراع بتحقيق معدل إقتصادي يبلغ (أكثر من 7 %) في المتوسط علي مدي خمسة عشر عاما.
وتشمل القطاعات التي ستقود مسارات التنمية أنشطة تقليدية وأخري حديثة، وبعضها ينتج خدمات قابلة للتداول عالمياَ، وأخري تنتج سلعاَ وخدمات محلية وقد تكون الستة قاطرات للنمو المقدمة والتي نراها قادرة علي خلق فرص العمل وهى:
- قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة في الأنشطة الريفية غير الزراعية.
- الصادرات الصناعية كثيفة العمالة والمهارات.
- التصنيع الزراعي غير التقليدي والحاصلات البستانية.
- السيــــاحة.
- تكنولوجيا المعلومات والاتصالاتICT والصادرات الخدمية المرتبطة بها.
- الإسكان والتشييد.
- تشجيع منح الإئتمان لزيادة الإستثمارات والمدخرات المحلية:
تهدف سياســة الإصلاح بأن تقفز المدخرات المحلية من معدلهـــا المنخفض الحالـــــي (حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي) إذا أستمر الوضع كما هو عليه إلي معدل مرتفع ومستدام يصل إلي (30%) من الناتج المحلي عام 2015 وذلك بفضل ضخ قدر كبير من التمويل متوسط وطويل الأجل في الإقتصاد وسيكون ذلك أفضل وسيلة تشجيع علي تنشيط الإقتصاد من خلال منح الإئتمان إلي المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإتاحة التأمين الإجتماعي علي العاملين في هذه المنشأت والتأمين الصحي والتمويل العقاري للفقراء. ويستلزم ذلك العمل زيادة فرص التعلم والتدريب وزيادة الإنتاجية وتقليص العمالة في الحكومة، إلي جانب وجوبية تخفيض معدلات الزيادة السكانية.
- أدوار جديدة لكافة الأطراف المعنية والفعالة واللاعبة (المشاركة المجتمعية):
إن مسئوليات كافة المواطنين التي ندعو إليها يجب أن تقضي علي اللامبالاة الحالية لكل المواطنين، وذلك من خلال خلق بيئة تتحقق فيها مبادئ الحرية والديمقراطية واللامركزية وتتاح فيها الإختيارات وتغرس فيها مفاهيم المساءلة والشفافية من خلال أطر قانونية وأدلة للمواطنين ويتم فيها تقدير العمل الجيد بإتاحة الترقي المستند علي الجدارة مع بناء نظم ملائمة للحوافز، وزيادة المسئولية الإجتماعية لأصحاب الأعمال.
- التطوير والإبتكار وريادة الأعمال عن طريق تقدم البحث العلمي:
إن جميع التوجهات لرسم السياسات المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي دولة تستند إلى تحليل علمي للمواقف الراهنة لسياسات العلم والتكنولوجيا يتم الانطلاق منه إلى المستقبل. فالعلم والتكنولوجيا يمثلان ملتقى لكل السياسات التي تحدد مستقبل كل أمة، وهما في الوقت ذاته الأداة الفعالة لتحقيقها. ويبدو جليا أن الأمة التي تمتلك قاعدة علمية وتكنولوجية راسخة تكون قادرة على مواجهة التحديات من خلال تسخير كل ما هو جديد من علوم وتكنولوجيات لخدمة التنمية الشاملة.
ننا نرى أن مصر تمتلك العديد من المقومات البشرية والعقول الخلاقة في الداخل والخارج، التي يجب أن تستثمر أحسن استثمار من خلال البحث العلمي الهادف والتطوير المستمر، وأن يكون البحث العلمي أسلوبا ومنهجا لدفع عجلة التنمية وأن تتضافر الجهود البحثية في قطاعات التعليم والبحث العلمي مع جهود قطاعات الإنتاج والمجتمع المدني لتحقيق هذا الهدف النبيل.
- إصلاح الجهاز الإداري في الدولة ومحاربة الفساد ودعم الشفافية. (المقصلة)
إن مكافحة الفساد وظيفة اجتماعية تنبع أهميتها من أهمية ظاهرة الفساد الذي تتعدد جوانبه التشخيصية ما بين السياسية منها والاقتصادية، والثقافية ، والاجتماعية والقانونية. وهى ظاهرة جديرة بالدراسة والمواجهة، خاصة من منظور حقوق الإنسان والذي يجدر بالمجتمعات أن تفكر في آليات مكافحته. وتعد الآليات التي تضمن توفر الشفافية وسهولة الإفصاح عن المعلومات والبيانات والإجراءات التي تحول دون تفشى حالات الفساد بل وتكافح الحالات الموجود بالفعل سواء على المستوى العام (مؤسسات الدولة) أو مستوى مؤسسات المجتمع المدني في ظل الحريات المدنية والسياسية المكفولة للمواطنين في الدساتير والتشريعات، وهو الحق المكفول بطبيعة الحال في دستور جمهورية مصر العربية والتي تؤكد عليه العديد من مواد الدستور المصري.
إن هناك محاولات جادة ومثمرة لإدخال نظام اللجان المشرفة على الأداء الحكومي في مؤسساتها التشريعية، وهناك توجهات نحو مراجعة نظم إدارة الموارد البشرية في الإدارة الحكومية والأخذ بنظام اللامركزية وتحديث نظم الإدارة المالية والمراجعة وتقييم الأداء العام. وتختلف مستويات التقدم نحو تطبيق الأساليب العصرية في الإدارة العامة.
- الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة.
إن التحديات التي تواجه مصر في المستقبل المتوسط والبعيد، الناتجة عن التغيرات المناخية العالمية، وارتفاع مستوى سطح البحر المتوقع، وأثره على السواحل المصرية، وكذلك تحدى استخدام الطاقة، وقدر ما تأخذه من موازنة ودعم في الوقت الحالي يستلزم جهودا تبدأ الآن في البحث العلمي والابتكار باستخدام الطاقات البديلة، خصوصا المنتجة من الرياح والشمس، مع توجيه كل الجهود والبحوث أيضا لاحتمال ندرة المياه في المستقبل. وهى كلها أمور نرى إنها من الواجب أن تكون في أولويات رؤية الإصلاح في الفترة الحالية.
إننا نؤمن أن المعرفة بوصفها ميزة إنسانية، وطريق لتوسع خيارات المواطنين متصلة بالنمو والعدالة الاجتماعية اتصالاَ وثيقاَ، بل أن القصور في معارف وقدرات الأفراد يعطل التنمية الإنسانية بمعناها الأوسع في مصر، فالمعرفة تمكن الإنسان وتؤهله للتفكير والتحليل والفهم والربط بين المعطيات المختلفة، وتؤهله لتكوين رأيه المتفرد والتعامل مع المتغيرات، والارتقاء إلي حال أفضل.
إن حق الفرد المشروع في الوصول إلي المعرفة، والحصول علي الفرصة أهم من حصوله علي الدعم أو الهبات لتخطي فجوة الفقر والاحتياج.
إن العلاقة بين المعرفة والتنمية الإنسانية وحقوق المواطن متشابكة وبالغة الأهمية، فهم جميعاَ يعززون بعضهم البعض حيث أن قاسمهم المشترك هو الحرية، المعرفة والتنمية الإنسانية تخلقان الإمكانية لممارسة الحرية من خلال بناء قدرات المواطنين، وتتضمن حقوق المواطن في ممارسة حريته المدعمة بالمعرفة.
لذلك فإننى، ومن منطلق رؤية الاصلاح الممكنة، أرى مصر بعد عقدين من الزمان 2030، تتمتع بحكم ديمقراطى، يتم تداول السلطة فيه عن طريق انتخابات حرة شفافة باستخدام وسائل التكنولوجيا التى تسمح لكل المجتمع فى الاختيارات، مما سينتج عنه برلمان مركزى، ومجالس محلية ممثلة للمواطنين تقوم بواجباتها تجاه مراقبة الحكومة ومراجعتها..
أرى سكان مصر ينتشرون فى ربوعها على السواحل وفى الصحراء المستصلحة، أرى على الأقل عشرة مدن جديدة تنشأ حول ضفاف طريق مواز لنهر النيل وسط الصحراء الغربية يصل الساحل الشمالى ببحيرة ناصر .. وأرى شبكة طرق عظيمة تربط كل مدن مصر ببعضها، وامتداد لشبكة سكة حديد تدار بأعلى استخدام للتكنولوجية.
أرى شباب مصر ياتعلم فى مدارس الحكومة التى ارتفع مستواها ويتعلم فيها أكثر من 35 مليون طفل وشابة وشاب، وأرى مصر بها على القل 150 جامعة بين الحكومة، والقطاع الخاص والشراكة بينهم .
أرى حاجات مصر كلها ضمن دائرة اعتماد وضمان جودة معترف بها عالميا، وأرى على القل 5 جامعات ضمن أفضل 50 جامعة فى العالم.
أرى مصر معلنة هويتها المدنية، حافظة لقيمها......