• بيان تأسيسي لتكتل سياسي حزب الاتحاد
  • ثانياً: تطوير التعليم وتبنى مشروع ثقافي جديد،
  • ثالثاً: توسيع إطار المشاركة المجتمعية ورفع سقف الأمل في الإصلاح
  • رابعاً: إجراء تغيير هيكلي في الاقتصاد المصري بهدف تحفيز النمو واستدامته وتوازنه،
  • خامساً: وضع الشباب فى قلب إستراتيجية تنافسية لمصر فى العشرين سنة القادمة
  • سادساً: تحقيق رفاهية الأفراد وسعادتهم
  • سابعاً: إعادة رسم الخريطة السكانية لمصر،
  • ثامناً: إصلاح الجهاز الإداري في الدولة وإحياء الأخلاقيات والقيم التي ترسخ مبادئ الأمانة والنزاهة ومحاربة الفساد ودعم الشفافية
  • تاسعاً: الحفاظ على البيئة وحقوق الأجيال القادمة
  • عاشراً: تحقيق دور فعال لمصر في الساحة الدولي
  • حادي عشر: تجمع المجتمع حول إلهام قومي كبير
  • ثاني عشر: القيادة التي تبنى الأمل في النفوس وتشحذ الهمم والطاقات، وتحقق مع الأمة ما يفوق قدراتها الحسابية المجمعة
  • معايير اختيار اللجنة التأسيسية للدستور
سياسة التعليم العالي

 إصلاح التعليم العالي في مصر

 منظور السياسة والمؤسسية لحزب الإتحاد

 

مقدمة:

 
مصر هي أكبر دولة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كما أن النظام التعليمي بها هو الأقدم على الإطلاق، ويبلغ عدد الطلاب في هذا النظام حوالي 2.3 مليون طالب موزعين على 18 جامعة حكومية تحمل السواد الأعظم منهم، و40 معهد عالي حكومي بقوة استيعابية حوالي150000 طالب، وأكثر من 109 معهد عالي خاص يضم أكثر من 370 ألف طالب.  كما يوجد في مصر حتى الآن 16 جامعة خاصة ترعى حوالي 40000 طالب.  ويعكس هذا نظاما تعليما ضخما إلا أنه بالرغم من ذلك فهذه الكتلة الضخمة من الطلبة تمثل 29% فحسب من الشباب في المرحلة العمرية من 18 إلى 23، وهي نسبة لا تعبر عن مطامح هذا المجتمع في التنمية ولا ترتقي إلى مستويات المنافسة مع الدول الأوروبية ولا المنافس الرئيسي لمصر في الشرق الأوسط وهى إسرائيل.
 
إننا ندرك بأن نتاج التعليم العالي في أي مجتمع هو قاطرة التغيير والقوة الداعمة لتيار الاصلاح وحاضنة قادة المستقبل والقاعدة الشرعية للإبداع، لذلك فنحن نؤمن أن التعليم في مصر يحتاج إلى إحداث ثورة ضخمة.  إننا في حاجة إلى التحول من نظام الحفظ والتلقين المهيمن علينا إلى النظام الذي يعتمد على حل المشكلات ومن ذلك المنهج الذي يقدر الامتثال والخضوع، إلى ذلك الذي يشجع ويحترم الإبداع والخيال، ومن الطاعة إلى التساؤل والبحث.  بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتناول الخطاب الجماهيري السائد قيم الأسرة التي توقر وتبجل الكبار وتكبت تساؤلات الصغار في توازن واجب بل حتمي. فلن يجدي سوى السير على هذا السبيل إن أردنا لمصر أن تصبح دولة دينامية وابتكارية تتعطش لاكتساب العلم والمعرفة في عصر أساسه وجوهره مجتمع المعرفة، واقتصاده لا تقوده سوى التكنولوجيا. 
 
إننا على أعتاب مرحلة تشهد تغيرات جذرية في مجالات التعليم وظروف العمل، مرحلة تتشعب فيها متطلبات المستقبل المهني الناجح، ويسير جنباً إلى جنب معها التعليم والتدريب مدى الحياة كمطلب واضح وأساسي. وفي هذا السياق هناك سبع سياسات رئيسة وضرورية للمضي قدما على نهج الاصلاح الجاد في مجال التعليم العالي بمصر، وهى: 
 
  1. إعادة صياغة مسئوليات الدولة تجاه نظام التعليم العالي جامعاته ومعاهده،
  2. التوسع في نظام التعليم العالي لتلبية احتياجات الطلاب الجدد وفقاً لرؤية محددة ومعلنة،
  3. إعادة تنظيم جذرية للمؤسسات التعليمية بهدف تحسين الجودة، والوصول إلى المستويات العالمية التي نختارها،
  4. تطوير نظام متعدد ومرن يتفق واحتياجات التنمية ويتصل وينفتح على الحركات الدولية المعنية بالتحسين وتحديث طرق التدريس والبحث، 
  5. إجراء تحرك ضخم ومتكامل كأساس لوضع البحث العلمي ونشاطاته كمكون حياتي في مؤسسات التعليم العالي،
  6. تنمية العلاقة الديناميكية بين مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل،  
  7. الالتزام بالنزاهة الأكاديمية والمؤسسية، وتوضيح ذلك في بيان رسالة كل مؤسسة تعليمية والتي ينبغي أن تعكس قيم الصدق والمساءلة والمسؤولية كقيم أساسية فضلاً عن احترام الأمانة العلمية والحرية.

 

إعادة صياغة مسئوليات الدولة تجاه نظام التعليم العالي والمعاهد

 

ينبغي أن تستمر مسئولية الدولة تجاه التعليم العالي، ولكن بصيغة وشكل مختلفين عما كانت عليه الأمور. إننا نرى وجوب تحرير التعليم العالي من الآتي: 
  • أ- هيمنة كل من الحكومة، وهو وضع قد أصبغ الجامعات بصبغة التيارت السياسية عبر فترة زمنية طويلة.
  • ب- دافع تحقيق الأرباح الذي لا يخضع للوائح والنظم، والذي ظهر مؤخراً مع انفتاح النظام على إنشاء جامعات خاصة.
 
إن التزام الحكومة تجاه التعليم العالي لا يعني أن كل مؤسسات التعليم العالي ينبغي أن تملكها الحكومة، وتديرها، فهذا وضع نقل كل الفساد الثقافي الكامن في جنبات القطاع العام وممارسته إلى هذه المؤسسات بدرجات متفاوتة.  كما أن مثل هذه المؤسسات لابد وأن تديرها مجالس مستقلة، بتمثيل رباعي متمثل في الدولة والمجتمع المدني والمجتمع الأكاديمي والقطاع الخاص.   
 
إلا إن هذه الدائرة الجديدة التي من شأنها أن تحل محل الحكومة، تحتاج إلى التطوير والتنمية حتى تصبح مسألة محاسبة مثل هذه المؤسسات أمام المجتمع مسألة واقعية.  وبناءً على ما تقدم، فالأمر يحتاج إلى فترة انتقالية تصل إلى 5 سنوات لبناء قدرات تلك الجهات التمثيلية، ونرى أنه خلال هذه الفترة يمكن أن يتم تعيين هؤلاء الممثلين من قبل الدولة بشكل شفاف وبناءا على معايير معلنة، وبالاتفاق ما بين المجتمع الأكاديمي والدولة على أساليب الاختيار.
 
إننا نشجع مشاركة القطاع الخاص في تقديم التعليم العالي طالما تتحقق الدعامتين التاليين: 
  • توفر أركان ضمان الجودة والاعتماد، بلا تحفظ،
  • أن يواكب ذلك بناء أنظمة لتمويل الطلاب، وتطبيقها بحيث لا يحرم من هو مؤهل ولا يملك القدرة المالية. 
 
وفوق كل ذلك لابد من وضع آليات تنظيمية كي تحكم دافع تحقيق الربح وتضمن مصلحة الجمهور، وفي الوقت ذاته ينبغي توافر خط فاصل واضح وجلي ما بين الإجراءات التي تضعها الدولة -والتي نقصدها- وبين السيطرة والتحكم الذين قد تنجذب الدولة إلى ممارستها على هذا القطاع.  بالإضافة إلى ذلك يجب تجنب نقل الواضع الراهن الذي وجدنا عليه النظام الحالي، إلى التطورات الجديدة سواء كانت مملوكة للدولة أو للقطاع الخاص.  إننا وبلا تحفظ نطرح خيارا ثالثا ألا وهو إيجاد منظمات غير حكومية وغير هادفة للربح تقوم بإنشاء مؤسسات تعليم عالي، غير أن هذا الأمر من شأنه أن يكون نتاجاً طبيعياً يواكب تحسن اقتصاد البلاد ونمو الثروة المؤسسية.
 
وفي إطار تولي الدولة لمسئولياتها تجاه التعليم العالي المملوك للشعب، فلابد وألا تتعامل مع الجامعات بوصفها كيانات تابعة للقطاع العام، أو تتعامل مع أساتذة الجامعات على أنهم من موظفي الحكومة بل يجب على الدولة في هذه الحالة أن:
  • تضاعف التمويل الحكومي والاجتماعي الموجه للتعليم العالي الحكومي، مرة كل ثلاث سنوات، على مدار التسع سنوات القادمة. كما نوصى بإيلاء اهتمام خاص للجامعات التي تباشر أنشطة بحثية على مستوى عالمي ومضاعفة موازناتها. 
  • ترفع كفاءة استخدام الموارد المتاحة داخل مؤسسات التعليم العالي. (الحوكمة/الحكم الرشيد)
  • تعظم الفوائد التي تأتي بها المعرفة والمزايا المجتمعية لهذه المؤسسات.
  • تُحسن مستوى اختيار الادارة القائمة بأعمال مؤسسات التعليم العالي.
 
وكي يتسنى تحقيق مثل هذه المهام، ينبغي أن تحظى مؤسسات التعليم العالي بالمزيد من الاستقلالية وفي ذات الوقت تهتم بالسعي نحو تقوية روابطها بشكل منظم مع المؤسسات والشبكات الاقليمية والدولية. وعلى أي حال يجب أن تكون تلك المؤسسات:
  • مسئولة مالياً 
  • خاضعة لأنظمة اعتماد صارمة، ولرقابة دقيقة وذلك لضمان الجودة 
  • ملتزمة بمواثيق النزاهة المؤسسية

 

التوسع في نظام التعليم العالي

 
يلتحق حوالي 29% فقط من المصريين في الفئة العمرية ما بين 22-18 بنظام التعليم العالي المصري، ويبلغ إجمالي عدد الملتحقين حوالي 2،3 مليون طالب كما ذكرنا آنفا، وحتى يتسنى رأب هذا الصدع الكبير في معدل الالتحاق بالتعليم العالي، فإن بناء القدرات في مصر يحتاج من وجهة نظرنا إلى التوسع في هذا المستوى التعليمي، فمع توقعات زيادة أعداد السكان والحاجة إلى تحسين نسب الالتحاق بالتعليم العالي بنحو 50% من فئة الشباب المستهدفة من بين السكان، تصبح نسبة الطلاب المتوقع التحاقهم على مدار العشر سنوات القادمة حوالي 4،5 مليون طالب. وبالرغم من ذلك يجب التخطيط بدقة لأعمال التوسع هذه خاصة إذا تعلق الأمر بالمؤسسات القائمة حيث أدى التوسع فيها فيما مضي إلى تدهور مستوى الجودة وتدني الكفاءة الإدارية، وظهور أنماط متعددة من الفساد. 
 
ويواجه منطق التوسع في التعليم العالي وإتاحة الفرصة للشباب المصري المتطلع إلى ذلك، تحديا من قطاع من قادة المجتمع السياسي تحرجا من ربط زيادة عدد خريجي التعليم العالي بالبطالة وكأن هذا التوسع في المستقبل سيحدث بدون نمو اقتصادي متوقع وزيادة فرص العمل المتاحة.  كذلك لا يرى هذا القطاع من الساسة سوى أن تدهور منتج التعليم العالي سيظل مستمرا بدون تحسن، الأمر الذي يتهرب في وجهة نظرنا، من مواجهة رفع مستوى جودة أداء الجامعات والمعاهد العليا الذي سيؤدى بدوره إلى أن يكون خريجو هذه المؤسسات  خالقي فرص العمل والمبادرين في المستقبل لبناء الأعمال ورياديتها.
 
إننا لا يجب أن نغفل أن خريجي التعليم العالي هم قادة المستقبل ورواده، وإننا ننافس على ريادة المنطقة بقدراتنا البشرية التي يتم بناؤها في هذه المؤسسات، كذلك يواجه تحدى التوسع في التعليم العالي رؤية ضيقة ترى أن التوسع في التعليم الفني هو بديل عن التعليم العالي، ومع احترامي لذلك المنهج، فإنه يغفل أن أكثر من 65 % من شبابنا هم الآن في مؤسسات التعليم الفني فعلا، ويعانون أكثر من غيرهم من تدنى مستوى التعليم، والمهارات المكتسبة للجدارة المهنية وهو الأمر الذي أتركه لمقالة وبحث أخر.
 
الوضع الحالي الآن هو أن 35% فقط من شبابنا يتوجه للمرحلة الثانوية، وان لم يتم التوسع في التعليم العالي، فإننا ننتقص من حق هؤلاء الشباب بل ونهدر فرص التنمية في مصر، ناهيك عن عدم القدرة على حل عنق زجاجة الثانوية العامة بدون التوسع في القبول في التعليم العالي بأشكاله المختلفة مع فتح الطريق للخروج منه والدخول إليه في أي عمر للشباب، ويجب أن يأتي هذا دعما للتعليم المستمر الذي يمثل العمود الفقري لاستمرار التقدم.
 
يجب أن تتسم مؤسسات التعليم العالي سواء الجديد منها أو القديمة بالجودة العالية وبالتنوع والمرونة، كما ينبغي التركيز على إدخال الإصلاحات على أشكال تلك المؤسسات ومجالاتها لتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي. 
 
ويبقى السؤال: هل تستطيع الدولة وحدها أن تقوم بأعمال التوسع هذه مع الحفاظ على جودة التعليم؟ والاجابة في هذا السياق هي النفي بالتأكيد.  إذن من يستطيع القيام بذلك؟ إن مثل هذا التحدي يحتاج إلى:
  • القيام بمبادرات مبتكرة مشتركة ما بين القطاعين العام والخاص (التفكير بطريقة غير تقليدية).
  • تدشين مبادرات من القطاع الخاص غير هادفة للربح.
  • تنظيم استثمارات القطاع الخاص بشكل يتسم بالشفافية.
 
 
وفي هذا السياق، لا ينبغي إنشاء مؤسسات سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص، إلا إن كانت قادرة على تقديم مستوى أعلى من الجودة.  وأعتقد أن مبادرات القطاعي العام والخاص تستطيع أن تقود التنمية في الفترة الحالية، كما تستطيع الدولة أن توجد المناخ الصالح للتنمية. 
 
لا يستطيع أن يجادل أحد حول القيمة البالغة التي يخلفها القطاع الخاص على المشروعات البحثية العالمية، لذا فإن مسألة الخروج بمقترحات جديدة وخَلاقة باتت ضرورة، لخلق شراكات حقيقية تفيد كل من مصر والدول الصناعية المتقدمة، من أجل تطوير البحث والتنمية محلياً واقليمياً. وهذا الموضوع يحتاج إلى الكثير من الاهتمام ليس على الصعيد التشريعي فحسب، ولكن على صعيد المناخ العام الذي تتم تحت أجوائه البحوث أيضاً. 

إعادة تنظيم جذرية للمؤسسات التعليمية بهدف تحسين الجودة

 
تحتاج المؤسسات القائمة المعنية بالتعليم العالي - بإلحاح - إلى عملية إعادة تنظيم جذرية من أجل تحسين الجودة، وعلى هذا تصبح مسألة إرساء المعايير، مسألة حتمية،  ويترتب عليها توضيح المؤشرات المستخدمة، وتطبيق شروط ضمان الجودة ومنح الاعتماد.
 
إنني أفتخر بأن هذا التوجه الذي دعونا إليه، ووضعنا له فلسفته، ثم قاتلنا لتأكيدها، ووضع التشريع المناسب له، قد أثمر في النهاية عن حركة واسعة النطاق في الجامعات المصرية قد تكون الأولى من نوعها عبر التاريخ الحديث للتعليم العالي في مصر بالشكل الذي تمت به.. كما أن إنشاء هيئة ضمان الجودة والاعتماد في التعليم أصبح حقيقة واقعة،  بالرغم من تحفظنا على نقطتين أساسيتين في التشريع خالفوا فلسفة الإنشاء كما وضعناها في أمانة السياسات في الحزب الوطني منذ عام 2002.
 
وتستطيع عملية الاعتماد أن تؤدي الغرض منها إذا تمتع جهاز الاعتماد بالاستقلالية التامة، بعيداً عن سيطرة الحكومة عليه (مقدم الخدمة الرئيسي) حيث تواجه هذه المسألة مقاومة ضمنية خوفاً من كشف عيوب النظام الحالي.
 
كذلك فإنه لابد أن تتوافر لهذه الهيئة الموازنات اللازمة للقيام بواجباتها، بحيث يأتي هذا في صورة نسبة من موازنات التعليم، ولا يجب أن تعامل كهيئة اقتصادية مسئولة عن تحقيق موارد خلال العقدين القادمين على الأقل.
 
وفي هذا السياق، فنحن نؤمن أن تطبيق تدابير ضمان الجودة باستخدام المعايير الأوروبية الدولية كسياسة، أمر لا يمكن التهاون فيه.  كما أنه لن يؤدي بنا إلى تعليم أفضل فحسب ولكن سيعمل أيضاً بمثابة المدخل الذي سوف يستعيد نزاهة تلك المؤسسات.
 
إن تطبيق نظام اللامركزية، ووضع ميزانيات خاصة بكل جامعة لابد وأن يتصل مباشرةً بترتيب تلك الجامعات على المستوى العالمي وأنشطة البحث العلمي التي تجريها وعدد الطلاب الملتحقين بها.
  
إننا يجب أن نقر بمبدأ المنافسة كشرط أساسي ودائم في شغل وظائف أعضاء هيئة التدريس، وأن يتم تثبيت الأساتذة من ذوي الأداء المتميز.  كما ينبغي تشجيع إنشاء منظمات علمية للأكاديمين والباحثين، واختيار رؤساء الجامعات والعاملين في الإدارة العليا، باستخدام أساليب شفافة تشترك فيها الأطراف المعنية ويحاسب هؤلاء ويساءلون على أساس المهام والأهداف الموكلة إليهم.  كما يجب زيادة رواتب أساتذة الجامعات وأعضاء هيئة التدريس مقابل تقييم أدائهم العملي، في إطار خطة متكاملة لتحسين الجودة.
 
ويمكن تحسين جودة التعليم العالي عن طريق تحرير النظام من التكرار وزيادة المرونة، وجعل النظام أكثر قدرة على تلبية احتياجات التنمية.  هناك أيضاً حاجة ماسة إلى إدخال الإصلاحات على القواعد التي تحكم عملية الالتحاق بالتعليم العالي، فبدلاً من الاعتماد كليةً على إجمالي درجات امتحانات شهادة الثانوية العامة، فإننا نوصى بتصميم امتحانات قبول تلبي احتياجات كل مؤسسة تعليمية. ومن المؤكد أن ربط ذلك بالتوسع وزيادة الأماكن المتاحة للطلبة بعد مرحلة الثانوية العامة سينقل المنافسة إلى مستويين مختلفين هما:
  • منافسة بين الجامعات لجذب الطلاب إليها في إطار نظام الجودة والاعتماد، الذي لن يسمح بالتكدس، وفى إطار أن الموازنات المخصصة من الدولة ستعتمد على عدد الطلاب الملتحقين.
  • منافسة بين الطلاب للالتحاق بأفضل الجامعات حسب تقيمها المجتمعي المعتمد على تقارير ضمان الجودة، وقدرة خريجيها على التوظيف الذي سيكون عاملا هاما في ترتيب التنافس للجامعات.  
 
الترابط ما بين الجودة والنزاهة: إننا نستطيع أن نبرهن بأن جزء من التحدي الكامن في الوفاء بمواثيق النزاهة المؤسسية داخل نظام لطالما عاني من فترات طويلة من أشكال مختلفة من اللفساد ومن سوء الممارسات والخداع وسرقة أفكار الآخرين والتلفيق، وفي أحيان أخرى انتهاك حقوق الطلاب، يمكن معالجته من خلال ضمان الجودة والخضوع لعمليات الاعتماد والرقابة المستقلة. 
 
كما نرى أنه بدون تحقيق النزاهة المؤسسية، لن يتأتى أي تميز حقيقي بأي حال من الأحوال لا في مجال التدريس ولا في مجال البحوث. وبدون النزاهة ووضع معايير لتسوية تعارض المصالح داخل المؤسسة الواحدة، ستتعرض الجودة للكثير من المخاطر.
 
 

التعليم العالي واحتياجات التنمية (منظور النزاهة)

 

  مرونة وتعدد النظام 

ينبغي تأسيس نظام للتعليم العالي يتسم بالتعددية والمرونة ويتفق واحتياجات التنمية، وحتى يتسنى تحقيق التعددية ينبغى:
  1.    أن لا تكون البرامج الأساسية صورة مكررة من النظم القديمة (شرط لتأسيس البرامج الحديثة في ظل الوضع الحالي). 
  2. إيلاء قدر كبير من الاهتمام لمؤسسات التعليم العالي التي لا تعد جزءاً من الجامعات -على مستوى السياسات- كالمعاهد العليا والمتوسطة  
  3. ج- التركيز على الوظائف المثمرة لمؤسسات التعليم العالي، وهي وظائف تستطيع أن تعزز كل من الموارد المالية والبحثية، ومنها القدرة على إنشاء مراكز للبحث والتنمية متعددة العلوم ومستقلة عن المؤسسة، وذلك عن طريق خلق شراكات نشطة مع الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. 
 
إننا نعلم أن هذه المناهج الجديدة تحمل في جعبتها بالنسبة للحالة المصرية المخاطر وكذلك الفرص والتي ترفع مرة أخرى من قيمة وحتمية النزاهة المؤسسية. 
 
أما المرونة فتعني على المستوى الفردي حرية ترك مؤسسات التعليم العالي المختلفة والعودة إليها مرة أخرى. أما على المستوى المؤسسي فتعني أن هيكل المؤسسات وفحوى برامجها، عرضة للتنقيح المستمر، بواسطة مجالس الحكم الرشيد، وذلك لضمان الاستجابة السريعة للتطورات المحلية والدولية. 
 
ويمكن ارساء الكثير من المبادئ الخاصة بالأصالة والمرونة من خلال تطبيق نظام الساعات المعتمدة، وهذا من شأنه أن يسمح باقرار الساعات المعتمدة لمن يختار التعليم الأولي أو المستمر في الجامعات المختلفة ويرغب في أن  يحصل على الدرجات العلمية في الوقت الذي يراه مناسباً طوال حياته. 
 
فمن حق الطلاب أن يدخلوا العالم الأكاديمي في أي وقت شاءوا ذلك خلال حياتهم المهنية، مع اختلاف وتنوع خلفياتهم. كما أنه من حق الطلاب في المرحلة الجامعية أن تُتاح لهم فرصة الاطلاع على الدراسات متعددة العلوم والتدريب على الطلاقة في التحدث بلغات مختلفة، والقدرة على استخدام تكنولوجيات المعلومات الجديدة.  
 
إن التمثيل الرباعي في ادارة مؤسسات التعليم العالي -كما سبق وأن ذكرنا- سيكون له قيمة كبيرة في دعم المرونة وإرساء قاعدة للمساءلة.
 

  استقراء النظام 

ينبغي أن يرتبط كل من الاعتراف الدولي بأنظمتنا وجاذبيتها للآخرين بالقدرة الداخلية والخارجية على استقراء تلك الأنظمة، ومن ثم يجب توثيق نظام الثلاث دورات للحصول على الدرجة العلمية بشكل يسهل مقارنته بالأنظمة الأخرى على المستوى الدولي، وقياس مدى التناظر والتوافق وذلك مع الأخذ في الاعتبار تطبيقات عملية بولونيا لاصلاح التعليم العالي في أوروبا. 
 
وعلى هذا يصبح الاعتراف الدولي بالدورة الأولي من دورات الحصول على الدرجة العلمية، واعتبارها ذات مستوى مناسب في منح المؤهلات، أمراً جوهريا في نجاح هذا المسعى الذي نرغب من خلاله في جعل خطط التعليم العالي الخاصة بنا جلية واضحة للجميع. 
 
أما بخصوص الدورة الخاصة بالخريجين، فإنه يجب منح الفرصة في الاختيار ما بين الحصول على درجة الماجستير في فترة أقصر والحصول على درجة الدكتوراة على فترة أطول وفي ذات الوقت يُنصح باعطاء فرصة للانتقال ما بين الأمرين، فضلاً عن التركيز على أهمية اجراء البحوث واستقلالية العمل. 
 
إن المشروعات البحثية العلمية والتكنولوجية الجديدة يجب إقرارها بناءا على أراء الخبراء من المراجعين، على أن يتم تقييم كل برنامج أو مشروع بشكل فني وتخصصي، وبناءا على الفوائد التي قد تعود على المجتمع منه. كذلك فإنه على كل برامج البحوث القائمة ومراكز التميز داخل المؤسسات التعليمية أن تستفيد بنفس القدر من مراجعات الخبراء الدورية وتقييماتهم. وتشمل الأساليب الخاصة بمثل هذه الإجراءات، تكوين فرق عمل من المراجعين النظراء، ولجان تتولى التأكد من وثاقة صلة البحث بالموضوع وإقرار المعايير القياسية الواجب إتباعها. ولابد وأن تكون عمليتي التدريس واجراء البحوث داخل الجامعات، مسألتين مرتبطتين ببعضهما البعض ارتباطا عضويا، كما أنهما يجب أن يتخليا تماما عن أي سمات للتحامل أو التعصب، والتحلي بالانفتاح نحو المناقشة والحوار البناء.
 

  الاستقلالية المؤسسية للتعليم العالي

إن الجامعة هي بمثابة مؤسسة مستقلة في قلب المجتمع، وهذه المؤسسة تُنتج وتَفحص وتُقيم وتَنقل الثقافة من خلال البحث والتدريس، وكي يتسنى للجامعة أن تلبي احتياجات العالم من حولها، فينبغي أن تتسم عمليتي اجراء البحوث والتدريس -اللتين يتمان داخلها- بالاستقلالية الأخلاقية والفكرية بعيداً عن السلطة السياسة والقوى الاقتصادية، وذلك وفقا لإيماننا بأن:
  • الجامعة هي بمثابة نقطة إلتقاء مثالية للآساتذة القادرين على نقل علومهم ومعرفتهم للآخرين، ومؤهلين لتطوير هذا المحراب العلمي، من خلال البحوث والابتكار، وأيضاً الطلاب المتعطشين للعلم والقادرين والراغبين في تغذية عقولهم بتلك المعرفة. 
  • الشغل الشاغل للجامعة ينبغي أن يكون إكتساب المعرفة على العموم من كل المصادر.
  • الجامعة يجب ان تكون مؤسسة عابرة للحدود الجغرافية والسياسية، وكيان مؤكد على الأهمية الكبيرة للثقافات المختلفة في التعرف والتأثير على بعضها البعض، كي يتسنى لها أداء رسالتها.
 

  الحرية الأكاديمية للتعليم العالي

ولتحقيق هذا الهدف لابد من احترام بعض هذه المبادئ، وتتولى كل جامعة مسئولية ضمان حرية الطلاب وحماية مثل هذه الحرية. كما عليها أن توفر للطلاب المناخ الذي يسمح لهم باكتساب الثقافة والتدريب الذي يهدفون للحصول عليه حيث أن  الحرية الأكاديمية هي الركيزة الفكرية والابداعية للجامعة، وينبغي إرساء هذا المفهوم بوضوح وضمان سريانه على كل أعضاء هيئة التدريس المتفرغين منهم وغير المتفرغين شاملة المعيدين بالجامعة.
 
على العاملين بمؤسسات التعليم العالى وبالإدارة أن يقبلوا سوياً مسئولية خلق مناخ يشعر فيها العلماء بالحرية في التدريس واجراء البحوث، ونشر دراساتهم والاشتراك في أنشطة العلماء العلمية في العالم كله، وتشمل هذه المسئولية الحفاظ على حرية تكوين وجهات النظر في القضايا المثيرة للجدل داخل أرجاء الجامعة كلها شاملةً المناقشات داخل قاعات المحاضرات، عندما ترتبط هذه القضايا بالموضوعات محل بحث الطلاب. 
ولا ينبغي على الجامعة أن تتحكم في الأراء الشخصية أو حرية التعبير العامة عن هذه الأراء لأي من العاملين في الكلية أو أعضاء هيئة التدريس، غير أن هؤلاء أيضاً عليهم مسئولية تجنب أي فعل أو عمل من شأنه أن ينقل صورة ما عن الجامعة بخصوص موضوع بعينه بدون الحصول على موافقة الجامعة.
 
إن حرية الأفراد الأكاديمية في الدراسة والاستفسار والبحث والجدل، متاحة بشروط، ومتوازنة بفعل الالتزام بتحقيق بيان هدف الجامعة، ومن المتوقع من أعضاء هيئة التدريس اقتفاء أثر الحقيقة والمعرفة، كما أن حق البحث والتدريس ومناقشة قضية ما من الحقوق المكفولة لهم بدون تعرضهم لأي إجراء تأديبي من جانب الجامعة أو النظام أو أي رقابة مفروضة عليهم. ومن واجبات أعضاء هيئة التدريس توخي الدقة وممارسة رباطة الجأش واحترام أراء الأخرين وحماية حرية الطلاب الأكاديمية وحقوقهم في الدخول إلى الجامعة.  
 

  التزامات التعليم العالي الواضحة تجاه النزاهة المؤسسية

(مستلهمة من المبدأ 9 للجنة الشمالية الغربية للزملاء والجامعات)
 
ببساطة، فإن المؤسسة التي تحافظ على نزاهتها هي مؤسسة لا تعاني من الفساد والاحتيال وسوء الممارسات أو تناهضهم بنجاح، فإعلان بوخاريست# ينص على أن القيم الرئيسة للمجتمع الأكاديمي ترتكز على: الأمانة والثقة والعدالة والاحترام وتولي المسئولية والمساءلة.  كما أنه يُبرز أن مثل هذه القيم "ليس ذات مغزى في حد ذاتها فحسب بل هي أيضاً جوهرية في الممارسة الفعالة لعملية التدريس واجراء البحوث ذات المستوى المرتفع". 

بيان يعبر عن القلق من مجلس مرصد ماجنا كارتا (العهد العظيم)

"إن نزاهة أعضاء الجامعة من المدرسين والباحثين والطلاب لا تتعلق بالأخلاق الفردية فحسب، ويرجع ذلك إلى أن المؤسسة التعليمية في مثل هذه الحالة يمكن أن تركن إلى سلك الطرق المختصرة كي تجني المكافآت السريعة تحت ذريعة الحاجة والضرورة، أو لأن المجتمع يشجع نظام المبادلات سواء العينية أو على مستوى سمعة المؤسسة ويمزج ما بين المكانة الاجتماعية والاعتراف الفكري والثقافي بدورها."
 
يجب أيضاً أن نضع في الحسبان أن المسائل المرتبطة بموضوع النزاهة تتصل بكافة جوانب الحياة الأكاديمية، فالبرغم من أن الممارسات الادارية السيئة أو التخلي عن القيم الخاصة بالحرية الأكاديمية والمبادئ الأساسية للبحوث العلمية قد تكون واضحة وجلية أمام الجميع، فالنزاهة في عملية التدريس والتعلم والاهتمام بالمبادئ الأخلاقية والمعنوية في اجراء الأنشطة البحثية لها نفس مقدار الأهمية -إن لم تكن أكثر أهمية-. بالإضافة إلى ذلك فإن المسائل الخاصة بالنزاهة في المجتمع الأكبر (مثال: الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون) هي بالأحرى ضرورية لهذا الجانب المُؤسس والمكون للمجتمع، ألا وهو التعليم العالي. 
على كل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي مراعاة الالتزام بأعلى المبادئ الخلاقية في تمثيلها لدوائرها العلمية المختلفة وفي تمثيلها للجمهور، وذلك في كافة مجالاتها (التدريس والمنح الدراسية والخدمة ومعاملة الطلاب وأعضاء الجامعة وأعضاء هيئة التدريس، وفي علاقاتها مع الجهات التنظيمية والجهات المانحة الاعتمادات).
على المؤسسة، وكذا مجلس ادراتها القائم على أعمالها، والإداريين وأعضاء الجامعة وهيئة التدريس بها، أن يتعهدوا بتجسيد ودعم أعلى المبادئ الأخلاقية في الادارة وفي العمليات، وفي كل التعاملات مع الطلاب والمنظمات العامة والجهات الخارجية. 
  • على كل مؤسسة أن تقوم بتقييم ومراجعة سياستها واجراءاتها واصداراتها بانتظام عند الضرورة، وذلك لضمان استمرارية تطبيق النزاهة في كافة أرجاء المؤسسة. 
  • على كل مؤسسة أن تقوم بتمثيل نفسها بدقة واتساق أمام دوائرها العلمية والعامة وطلابها المنتظرين، وذلك عن طريق اصداراتها وتصريحاتها الرسمية. 
  • على كل سياسة مؤسسية أن تُعرف معنى تعارض المصالح، وتعرضه وتطبقه على أعضاء مجلس الادارة القائمين على أعمالها، والإداريين وأعضاء الجامعة وهيئة التدريس.
  • على كل مؤسسة أن توضح من خلال سياستها وممارستها، التزامها بالسعي الحثيث والحر وراء المعارف، ونشر هذه المعارف بما يتسق و أهداف المؤسسة وبيان مهمتها.
 

  السياسة الخاصة بالنزاهة المؤسسية

استناداً على التقاليد الأكاديمية والمبادئ الفلسفية، تلتزم مؤسسة التعليم العالي بالسعي وراء بيان الحقائق وابلاغها للآخرين، وحتى يتسنى لهذه المؤسسة الإيفاء بمثل هذا الالتزام، عليها أن تتحلى بالنزاهة المؤسسية في طريقة قيام الكليات أو الجامعات بادارة شئونها، وبذلك فهي تحدد أهدافها وتختار أعضائها وتحتفظ بهم، وتقبل بالطلاب، وتصمم المناهج وتصيغ برامج البحث وتصلح من نطاق خدمتها. 
إن الاحتفاظ بمثل هذه النزاهة المؤسسية وممارستها يفرض ويشترط توافر قدر مناسب من الاستقلالية والحرية كما سبق وأن ذكرنا في هذا النص. 
 
ونعني بهذه الحرية، حرية فحص البيانات والتشكك في الافتراضات والاسترشاد بالأدلة وتدريس ما نحن على علم ودراية به، وأن نصبح تلاميذ وعلماء في ذات الوقت. فهذه هي الحرية التي نعنيها بعيدا عن كل مصادر الازعاج غير المبررة والتي تعوق وتمنع الكليات والجامعات من متابعة أعمالها الضرورية.

ينبغي إدارة الكلية أو الجامعة بمهارة والحفاظ عليها في وضع مالي مناسب، مع الأخذ في الاعتبار أنها ليست عمل تجاري أو صناعة 
 
تهتم مؤسسة التعليم العالي باحتياجات مجتمعها وبلادها، غير أنها لا تمثل حزب سياسي، وعلى هذه المؤسسة أن تلتزم بمسئولياتها الأخلاقية، غير أنها لابد وأن تعي أنها لا تمثل دين ولا دار عبادة حتى ولو كانت ذات طابع ديني شأن جامعة الأزهر بمصر. 
 
إن الكلية أو الجامعة هي مؤسسة للتعليم العالي، ومن بداخلها يهتمون في المقام الأول بالأدلة والحقائق، أكثر من أرائهم الشخصية، بما في ذلك آراء الأطراف الأخرى شأن رجال الدين والرأي العام والضغوط الاجتماعية أو الحدود السياسية. وارتباطاً بهذا الاتجاه العام واتساقاً مع الحرية الأكاديمية والفكرية تتأتى مجموعة من السؤوليات ذات الصلة، فمن جانب المجالس والإداريين، تفرض مسؤولية حماية أعضاء الجامعة والطلاب من الضغوط غير المناسبة أو مصادر الازعاج والمضايقات المدمرة نفسها عليهم.  
 
أما أعضاء هيئة التدريس، فعليهم أن يتولوا مسئولية التفرقة ما بين القناعات الشخصية والنتائج المُثبتة، وأن يقدموا البيانات ذات الصلة للطلاب، ويرجع ذلك إلى أن نفس هذه الحرية تؤكد على حقوقهم في معرفة الحقائق. 
 
أما مسئولية الطلاب فتتجلي في أن يتخيروا المعلومات ويطرحوا الأسئلة، وأن يشتركوا بنشاط وايجابية في حياة المؤسسة التعليمية، بشرط أن يكون هذا الانخراط على مستوى المتعلم ويكون مناسباً.  إن تقرير المسؤوليات الصحيحة وممارستها سوف يرتبط بوضع الطلاب في مرحلة ما قبل التخرج وفي مرحلة عمله المهني أو مرحلة التخرج.  
 
لا تُنحي الحرية الفكرية الالتزام جانباً، بل تجعله متاحاً وشخصياً. إن الحرية لا تشترط الحيادية من جانب الفرد أو المؤسسة التعليمية، ولا سيما مهمة البحث والتعلم ونظم القيم والتي قد ترشد كل هؤلاء كأشخاص أو كمؤسسات. 
 
وبناءً على ما تقدم فالمؤسسات قد تمثل فلسفة اجتماعية أو دينية معينة شأنها في ذلك شأن الأفراد أو أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب، بيد أنه حتى يتسنى للأفراد والمؤسسات الحفاظ على مصداقياتهم عليهم بضمان الحرية الفكرية، والسماح للآخرين بالحصول على نفس قدر الحرية في اقتفاء أثر الحقائق فضلاً عن التفرقة ما بين المسعى وراء معرفة الحقيقة والالتزام بتطبيقها.  إن كل المهتمين بمصلحة كلياتهم وجامعاتهم سوف يسعون لدعم النزاهة المؤسسية لهم، وممارستهم للاستقلالية والحرية المناسبتين.
 
إن التحدي الكبير والصعوبة الشديدة في الالتزام بتلك السياسات واحترام تطبيقها يكمن في صعوبة الفصل ما بين مؤسسات التعليم العالي والبيئة المحيطة بها، فلا يكفي سن تشريع جديد أو تأسيس جهاز تنظيمي، حيث ينبغي علينا أن نأخذ في الحسبان تغيير ثقافة المجتمع، وسينبع الجزء الأكبر من المقاومة من القائمين على أعمال هذه المؤسسات، هذا بجانب أعضاء الجامعة الذين اعتادوا عبر مرور السنوات الطوال على ممارسة مستوى ما من الفساد، ويعتقدون أنه من الأهمية الحفاظ على وضعهم الاجتماعي.
 
إن مسألة قبول مثل هذا السلوك خاصة في مواجهة أعمال الاحتيال الفكري والغش وانتهاك الأخلاقيات، والاستفادة من تعارض المصالح يجعل من التغيير المرجو أمرا بالغ الصعوبة، ومن ثم يكون السؤال هو: هل نواجه التحدي بعملية إصلاح شاملة باستخدام مشرط الجراح، أم نتناولها بالتدريج من خلال فرض القواعد واللوائح وبناء الزخم المجتمعي لدعم الاصلاح. 
 
إن التحدي الذي يتراءى أمام أعيننا في دول العالم النامي، ويجعلنا نعتقد بأن الاصلاح لا يمكن أن يتأتى مرة واحدة بل يجب توافر أولاً رؤية شاملة واصلاح كامل يضم قضية حقوق الانسان والحرية والديمقراطية والدعم السياسي والاصلاح الاجتماعي لضمان إيجاد فرص عمل. إن التعليم العالي هو أحد أهم أركان هذا الاصلاح. 
 

  تعارض المصالح 

يوصى أن تتبع السياسات الخاصة بتعارض المصالح في التعليم العالي، الأخلاقيات السائدة داخل المجتمع والقانون وأن تحدد الاستخدام المناسب للموادر والمرافق وكذا تعارض المصالح على المستوى الشخصي. وفي رأيي:
"لا يجوز لأي موظف يعمل بداخل مؤسسة للتعليم العالي أن يعمل بوظيفة خارجية أخرى من شأنها أن تتداخل مع الواجبات الموكلة إليه، إلا إذا نص عقده على ذلك أو سمحت له الادارة بالقيام بمثل هذا العمل.  وفي حالة تقدم أحد الأشخاص بشكوى حول احتمالات وجود تعارض للمصالح سيتم إحالة الأمر للتحقيقات للسلطة المختصة داخل المؤسسة والتي بدورها سوف تقوم بالتحقيق في الشكوى، فضلاً عن ذلك لابد من توافر كتيب خاص بالمؤسسة يوضح ماهية تعارض المصالح ومدى انطباقها على نطاق عمل المؤسسة."
 
كما ينبغي أن تُعرف تلك السياسات الموضوعة احتمالات تعارض المصالح، شأن مزاولة الأعمال الخاصة أثناء ساعات العمل داخل المؤسسة، أو القيام بتقديم الاستشارات الخارجية أو إعطاء الدروس الخصوصية مقابل أجر للطلبة المسجلين بالكلية، أو استخدام موارد الكلية للأغراض الخاصة، أو قبول الهدايا من الموردين الذين يعملون مع الجامعة. 
 
أما الأنشطة المهنية الأخرى التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس كجزء من واجباتهم الجامعية، مثل التعاون مع الجهات العامة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، أو الأمور التي سوف تعود بالنفع على الجمهور فتعتبر من الخدمات المقدمة للجامعة أيضاً،  بيد أنه "لن يتم إقرار أي أنشطة من شأنها أن تتعارض مع مصالح الجامعة كما هو منصوص عليه وفقاً لقانون الدولة ذي الصلة أو لوائح الجامعة".
 

انهيار الجامعة 

يبين تاريخ الجامعات أن الانهيار المؤسسي البطيء والحتمي يحدث لا محالة بسبب الأتي: 
  1. الخضوع غير المشروط للمصالح الأيدولوجية للدولة أو الأحزاب السياسية أو الأقليات المنظمة أو المنظمات الاقتصادية،
  2. الانشغال المغالى فيه بالقضايا المحلية الحالية، أو بمصالح أعضاء هيئة التدريس الشخصية، 
  3. قبول الوضع الراهن، مع مقاومة التطور ومقاومة التغيير، 
  4. تجاهل الهدف العلمي من وراء إنشاء الجامعة كمؤسسة مهتمة بالتدريس واجراء البحوث، والبحث الحثيث عن التفوق والتميز في هذين المجالين،
  5. استغلال الركنين الأساسين من أركان القيم الأكاديمية العلمية، وبالأحرى الحرية الأكاديمية واستقلالية الجامعة استغلالاً شخصيا،ً وعدم الاكتراث بتطبيقهما لأغراض الحوكمة الديمقراطية، أو لحماية الطلاب والمدرسين في سعيهم لمعرفة الحقائق واكتساب المعارف الجديدة.  

قال ألبرت إينشتين ذات مرة أن "المشكلات العويصة التي نواجهها لا يتأتى حلها بتطبيق نفس النهج الفكري الذي استخدمناه ساعة إيجاد مثل هذه المشكلات. إن مؤسسات التعليم العالي هي بمثابة عامل التغيير داخل المجتمعات النامية والتي تقودها نحو المستقبل. ومن ثم لا ينبغي أن نسمح لتلك المؤسسات بالانهيار بل يجب إيلاء الأولولية لإصلاحها فهي ضرورية للمجتمع برمته غير أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه بنفس مستوى التفكير الذي كنا عليه ساعة خلق المشكلات الحالية.